دكنور-عبد-القادر-فيدوح
الناموس السياسي في السرد
بين سلطة الكلمة وتأثير الرؤيا
المؤلف

باحث، وناقد جزائري، يُعدّ من الأصوات المبادِرة في المشهد الثقافي. تخرج على يديه العشرات من الباحثين في مجال الدراسات
العليا ]ماجستير/دكتوراه[. أسهم بمقالات نقدية وثقافية في العديد من المجالت المحكمة، والدوريات، والصحف. أسهم في صياغة العديد
من المشاريع الثقافية، والندوات، والمؤتمرات، ونشر الكتب، والدوريات المتخصصة. عضو الجمعية الدولية للدراسات السيميائية .IASS-AIS

The political law in the narrative
Between the power of the word and the effect of vision
Abstract

This study deals with the issue of politics associated with the awareness of cultural life, which falls into the category of what can be referred to as the spread of [politics pandemic] in all joints of reality, after this pandemic has become infiltrated into social and cultural awareness, and deeply penetrates its misguided orientations in the course of daily life, an attempt to do so. disruption of the ability to reason; for the possibility of treating appearances with their superficiality; Therefore, the political process seeks to confront the mature awareness of painkillers, procrastination, and procrastination, without presenting any feasible initiative to address the problems. With the penetration of dire political facts that affect daily life, efforts are dispersed, and the ability to analyze and elicit, especially when our culture falls under the shadows of politics, with the premises emanating from imposing control, to preserve the entity of the political elite before the entity of the national state, and the question of identity, and in the midst of that goes Intellectual policy leads to the belief in imposing strictness because of its fixed direction, based on the law of the authority in force.

Keywords
الناموس السياسي في السرد
بين سلطة الكلمة وتأثير الرؤيا
ملخص

تتناول هذه الدراسة موضوع السياسة المقترن بوعي الحياة الثقافية، الذي يصب في خانة ما يمكن الإشارة إليه بانتشار [جائحة السياسة] في جميع مفاصل الواقع، بعد أن أصبحت هذه الجائحة تتسرب إلى الوعي الاجتماعي والثقافي، وتندس بعمق توجهاتها المخاتلة في مسيرة الحياة اليومية، محاولة بذلك تعطيل القدرة على التفكير الوجيه؛ لإمكانية معالجة المظاهر بما تتسم به من سطحية؛ لذا تسعى المجريات السياسية إلى مواجهة الوعي الناضج بالمسكنات، وبالتسويف، والمماطلة، من دون أن تقدم أي مبادرة مجدية تعالج بها المشكلات. ومع تغلغل المعطيات السياسية الوخيمة التي تؤثر في الحياة اليومية تتشتت الجهود، وتتبدد القدرة على التحليل والاستنباط، بخاصة عندما تكون ثقافتنا منضوية تحت ظلال السياسة، بالمنطلقات المنبثقة من فرض الاستحكام، لحفظ كيان النخبة السياسية قبل كيان الدولة الوطنية، وسؤال الهوية، وفي خضم ذلك تذهب السياسة الفكرية إلى الاعتقاد بفرض الصرامة لما لها من توجيه ثابت، يستند إلى قانون السلطة النافذة.

كلمات مفتاحيّة:
التمثيل السياسي في الثقافة الإبداعية

ليس هناك من شك في أن أيَّ واقع مقيَّد بالوازع السياسي، وأن أي وجود في صيرورته لا ينظر إليه إلا من وجهة السلطة في جميع المظاهر والمضامين الفكرية والثقافية -على وجه التحديد- بالنظر إلى أن أي مكفول من محمول موضوعات الوعي الثقافي، يكون مكبلًا بمجريات السياسة؛ لما لها من تماس مع الواقع بالملازمة، وبحسب ما تمليه المعطيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المأزومة؛ فضلًا عن ذلك فإن «العلاقة بين الثقافي والسياسي علاقة قدرية، قد ترهن الثقافي، وتحاصر الكاتب، وتمارس عليه صمتًا قصديًّا وتنكريًّا»1، وفي ضوء ذلك تتسنى مضامين الواقع في مطالبه عبر ضِفَّة كل ما هو سياسي، وبكل ما تنضوي في إطاره العلاقة بين المعرفة والاضطلاع بالدور السياسي؛ لما هناك من قاسم مشترك بينهما؛ إذ كلاهما يتاجر بالكلمات، وكلاهما يتشكل بالواقع، وبحسب الغاية نفسها، فإذا كان المبدع يتعامل مع وعي الناس عبر الصور الفنية المُبِينة، فإن السياسي يتعامل مع إعمال السلطة في المجتمع من خلال التلاعب بالكلمات، وكلاهما ينعكسان على بعضهما الآخر2.
إن الارتباط بين العقل العملي للشخصية في الواجهة السياسية، والإنفاذ بالتفويضات الموكلة إليها في التعبير الفني، من شأنه أن ينقل الأحداث من حالتها الواقعية في الأولى إلى صورة لغوية في الثانية، وهو ما توجبه حالات الصراع المنسجم مع الشخصيات الماثلة في الواقع المؤثر في الشخصيات السردية بالكيفية التي تعطي الرؤية السردية بعدًا دلاليًّا؛ على خلاف الطريقة التي ينعتها الوضع السياسي في ظل التحولات المتتالية، وهو المنظور الذي يتساوى فيه مع شخصيات السرد؛ على وفق ما تحمل الصفات المشتركة في الواقع -نجاحًا وإخفاقًا- عبر الإشعاع المنبعث من مجريات الحالات والتحولات؛ لإظهار الحقيقة التي يخفيها مضمر النص، وتبعًا لذلك يأتي السرد ليسجل حضور الشخصية في تمثيل الصورة الفنية؛ وعلى هدْي ما سبق فإن وجه التقاطع بين شخصيات الواقع المقيَّدة بالظرف السياسي، وشخصيات السرد الداعية إلى التأمل فيما يقع من أحداث، وما يمكن أن يكون عليه الواقع الممكن من توقعات، يكمن في أن الأولى تكون مرغمة بالإذعان لواقع الحال، في حين تحاول أن تكون الثانية صورة مجدِّدة، تعيد إلى الرؤية الثقافية -في السرد- حيويتها، بعضها قائم على فكرة التنوير، وبعضها الآخر ساعٍ إلى محاولة إبطال الفعل، أوما يسمى بالمُعيق في البرنامج السردي من خلال تبادل الأدوار مع المساعد على المستوى السردي؛ «بالإضافة إلى ما يصدر عنها من أصوات تعبر عن مضامين المطابقة مع نوعين من الأفعال» أفعال الحدث، وأفعال الحالة كما في رأي لوسيان تنييرL.Tesniére بالقدر الذي تعبر عنه سيرورة السرد، وعلاقات الشخصيات المتعددة الأصوات التي أسس فكرتها باختين Mikhail Bakhtin، ومن ثم فإن معيار الانسجام بين الشخصيات في الحالين جارٍ على مزية انعكاس الوظيفة -أو الوظائف- فإذا كانت وظيفة الشخصيات الاجتماعية في السياق السياسي تعنى بمجريات الأحداث اليومية، وما يجرُّ إليه السؤال في طلب الحاجة؛ فإن وظيفة الشخصية السردية في الأنظمة الوصفية؛ لا يمكن تعيينها بدقة إلا حين يعطى لها وضع النظام المدروس داخل السياق -النصي، النص الخارجي- الذي يندرج فيه النظام المعني بالأمر؛ بحسب التأثيرات التي يدعوها، أو يحدثها ظهور نظام وصفيٍّ في تدفق النص: وظيفة تبئيرية، إيهام بعرفان، إيحاء بتأثير، تصعيد لعلاقة القارئ بـ«رصيده اللغوي»، استنفار لبعض المهارات الخاصة، تخزين لمؤشرات، وذاكرة لمفترضات النص3.
إن مشهدية الواقع في إدراك وجوده المتشظي، والصورة المنبعثة من عبثية الرؤية السياسية، تقود الروائي -والمثقف بوجه خاص- إلى محاولة كسر خطية الخطاب المتسلط، وخرق باقي الأنظمة الاجتماعية والثقافية الملتبسة، التي تتجلى في الواقع المؤدي إلى قراءته فنيًّا؛ في سبيل الوصول إلى ما هو مفكر فيه عن طريق العصف الذهني؛ سعيًا إلى تحقيق رؤيا تسمح للروائي -مثلًا-بالمساءلة والنقد، من خلال إخضاع التجربة الواقعية إلى تجربة فنية، يرى فيها المروي له الدور الحيوي للوقائع والأحداث -من قبلُ ومن بعدُ- عبر الدور القوي للملفوظات السردية التي تؤديها الشخصيات في تشكيل الرؤية السردية؛ وفي ضوئها تتحدد رؤية المروي له للعوالم الممكنة؛ ضمن تلاؤمها مع تسارع الحالات والتحولات المنسجمة مع طبيعة الحياة، حتى لو كانت التجربة التي يعطيها الروائي مخالفة للواقع، يستعيض بها رؤيا مأمولة، لمقاومة كبت الطموحات والأحلام.
والحال هذه، أن للسياسة دورًا فاعلًا في رؤيا الواقع بالمنظور السردي؛ ما من شأنه أن يُجهض حرية التعبير، وهذا يعني أن العمل الفني والعمل السياسي تحكمهما مفارقة معمولة في الواقع، وجفوة سياسية مع إمكانية خلق واقع مأمول بالمنظور الفني، المفارقة الأولى تحركها السبل القمعية لكبت الحوافز، في حينتحاول أن تصنع المقاربة الثانية الارتباط بزرع الأمل؛ وما بين القمع المعطِّل، والأمل المتضرِّع إلى الإنجاد -من الضمائر الحية- تضيع الرؤية مع السلطة؛ إذ «وحدها قمة الهرم تحصل على المعنى الحقيقي والكامل، ولا تحصل القاعدة سوى على انعكاس باهت له، وهكذا لا يبقى أمام الجماهير سوى أن تقتنع بالعلامة المحدودة التي تصلها»4.
وجريًا على ما سبق، فإن مفاهيم المعالم السياسية، المقترنة بوعي الحياة الثقافية، تصب في خانة ما يمكن الإشارة إليه بانتشار [جائحة السياسة] في جميع مفاصل الواقع، بعد أن أصبحت هذه الجائحة تتسرب إلى الوعي الاجتماعي والثقافي، وتندس بعمق توجهاتها المخاتلة في مسيرة الحياة اليومية، محاولة بذلك تعطيل القدرة على التفكير الوجيه؛ لإمكانية معالجة المظاهر بما تتسم به من سطحية؛ لذا تسعى المجريات السياسية إلى مواجهة الوعي الناضج بالمسكنات، وبالتسويف، والمماطلة، من دون أن تقدم أي مبادرة مجدية تعالج بها المشكلات. ومع تغلغل المعطيات السياسية الوخيمة التي تؤثر في الحياة اليومية تتشتت الجهود، وتتبدد القدرة على التحليل والاستنباط، بخاصة عندما تكون ثقافتنا منضوية تحت ظلال السياسة، بالمنطلقات المنبثقة من فرض الاستحكام، لحفظ كيان النخبة السياسية قبل كيان الدولة الوطنية، وسؤال الهوية، وفي خضم ذلك تذهب السياسة الفكرية إلى الاعتقاد بفرض الصرامة لما لها من توجيه ثابت، يستند إلى قانون السلطة النافذة.
لقد ركزت السلطة -في حق الثقافة- على كل ما من شأنه أن يؤدي إلى التفكير بالمقتضى السياسي، ومتطلبات حاجة الوعي المراد له بإرادة الغايات والمقاصد، وعلى كل الدوافع الفعالة، والمؤثرة في الحياة؛ الأمر الذي يمكن معه القول إن راهن السياسة في مجتمعاتنا العربية يصارع الوعي الثقافي -والإبداعي على حد سواء- بوصفه وعيًا نضاليًّا، قولًا وفعلًا؛ والحال هذه، ترى السلطة في ذلك تهديدًا لمصالحها، وفي الحالات التي يتبصَّر فيها هذا الوعي القدر الكافي من المشاركة في المسؤولية، يواجَه من الطبقة المهيمِنة، التي تتملك تدابير إرشاد مؤسسات المجتمع المدني المهيكلة سياسيًّا، وهو ما يجعل التعايش العدائي قائمًا بحدة بين المثقف، المعبر عن صوت الأمة، والمستأثر بالسلطة على الأصعدة السياسية، بالإضافة إلى ما يزعزع الألفة من السائس، ويجاهر بها على أنها صعبة المنال مع تزايد وتيرة الكراهية والبغضاء، تحت مسوغات تمرد المثقف على اللوائح التنظيمية للمؤسسات؛ إذ كل من موقفهما مرتبط بعلاقة القوة بالكلمة، بين الشد والجذب، فالكلمة عند المثقف -والفنان- تعمل على إمكانية المساهمة في خلق وعي أفضل، والسعي إلى تطوير المجتمع، في حين هي مع القائد ملتبسة، وغامضة حدَّ الإبهام، وغالبًا ما يكون شبيها بالحَرون -الشارد- الذي يسرح بذهنه في عالم الخيال، وعدم اتساق خطابه المضطرب، أوما يعرف في علم النفس بـ(صلاد الكلمة) التي ليس لها أي تراتبية في الأداء، أي بما يصطلح عليها بـ(باراتاكسيس Parataxis) المشبعة بتناثر الغبار كالهباء ينبثُّ في الهواء، تحركه الزوبعة في فضاءاتها، كما يحرك السياسي تسديداته «اللغوية الخالية من المعنى، كلها فارغة ولا جدال فيها؛ إذ الصوت الوحيد الذي كانت تستطيع السلطة سماعه هو صوت القوة، وعندما يسمع هذا الصوت في النهاية، فإن صوت السلطة يركن إلى السكوت»5.
تبدو محاولة استجلاء علاقة السلطة بالثقافة مستبهَمة في مكونات الرؤية المستهدفة؛ وفي هذا الصدد يكون التماسك بينهما على طرفي نقيض؛ فإذا كانت السلطة تحاول ترويض الخيال، فإن بعض المثقفين -ومنهم بعض المبدعين- يسعون إلى تنميط الخيال؛ بمطاردة الوقائع السياسية، على نحو شبيه بمن يُنصِّب نفسه في موضع السياسي بوعي نمطي، يتم من خلاله وضع الناس في قالب، يتسم بالتسديد والعظة، وفي هذه الحالة قد يكون السياسي أكثر حقيقية وواقعية من الثاني، وليس معنى ذلك أن نغالي ونحصر الحقيقة في التخييل، فالحال أن الوهم والكذب والمخاتلة تخترق الاثنين معًا، وهنا يجب التأكيد على أن الحقيقية المتوخاة تقع في منزلة غير محددة، ولكنها تستقي عناصرها من خطابي التخييل والواقع، كليهما؛ لأن من يبحث عن المضمرات -كما يرى فورستر E. M. Forster لا بد أن يُقر بوجود الحقيقة في التخييل6.
قد يكون الإشكال بيِّنًا مع اختلاف مسعى كل من الثقافي والسياسي؛ حين يصيب الوهنُ الثقافةَ وتُحيدها عن الواقع، مع اقتحامها عالم السياسة المحض، واقتفاء تركيبة وعي السائس الصرف. وإذا كان هناك من تقاطع بين السياسي والثقافي، وتهاجر ما يجمع بينهما، فإن مرده -في تقديرنا- عوز الوعي، وفاقة الاستطاعة على انتشار الصحوة الثقافية المجدية، وتحصينها، بغض النظر عن توجهاتها الإيديولوجية العتيَّة في مرْبَع الحياة، ومَغناها. أضف إلى ذلك أنه إذا كان زعم الثقافة أن تصبح السياسة كفيلة بها، فإن ذلك يعدُّ توهمًا في غير مزعم، ورغبة في غير مطمع؛ لأن الاقتفاء الحرفي بتعقب السياسي، وتمثُّل خطابه، يكون من باب العبث بالدور المعلق بالمثقف، بخاصة حين يصيب الثقافةَ الوهنُ، وتضعف الصريمة مع الثقافة المعلَّبة؛ الأمر الذي يفقد المعنى الذاتي دوره الثقافي، ويتكاسل القصد، ويتخاذل المراد، ويخنع العزم، ويخضع، وتتلاشى فيه صور الدفاع عن التفكير العقلاني، وتتضعضع الرؤية في منحاها الأصيل، ولتعزيز المرجعية الإبداعية برؤيتها الوجيهة. وإذا كان هناك من إرباك -بهذا المستوى- في توظيف الثقافة بوصفها ظاهرة تواصلية بالتبعية للسياسة، فإن ذلك يرجع إلى عدم استقرار الذات في كيفية التعامل مع وسائل التواضع الثقافي السليم، ومع الرؤية الناجعة، والفعالة في الحياة اليومية.

الوعي بالسياسة في الرواية

غالبًا ما يسعى السرد إلى تمثيل الواقع في شتى المجالات، بروابط مستحكمة، من أجل مواكبة تغيراته المستمرة، وبصورة متَّسقة مع طموحات المجتمع؛ ولكن سرعان ما تتلاشى الرؤية، وتتبدد المشيئة، بالنظر إلى إعاقة أي مبادرة ناجعة، وإحباط أي سبق فكري، أو ثقافي، في نسقه الكلي المجدي؛ بذرائع -في معظمها- سياسية، ومن ثم فإن محاولة إحراز العلاقة التي تجمع الواقع السياسي بالتخييل في العمل الإبداعي ستكون وجيهة؛ بالقدر الذي يؤهل الروائي بكسب مجال معرفته واهتمامه، وإظهار أفق توقعه؛ بدافع تجديد الوعي، وتفعيله في المجتمع المعرفي بوجه عام، بوصفه مقام الاهتمام بالعملية الإبداعية.

ولا مشاحة في ما تقدمه السياسة من دوافع من شأنها أن تثري مخيلة الروائي، وأن يطوِّق هذا الأخير أفكاره بالمشهد السياسي، وتبعًا لذلك، يكون من الصعب جدًّا معرفة الحدود الفاصلة في مخيلة الروائي، وما هو واقعي مسيَّس، أو ما يكون في حيِّز التخييل السياسي، الذي يقدم رؤية إضافية، يمكن استثمارها فنيًّا، بتوظيف الانفتاح على المعالم والآثار الإنسانية، والتنقيب في مضمراتها، وتفعيل التأثير المتبادل بين الثقافات، بعضها ببعض، في صور فنية تجانس الحاضر؛ وإلى جانب ذلك تحاول الثقافة أن تفيد وتستفيد من تدابير بعض الوقائع والأحداث، بغرض التصدِّي للنظرة الأحادية لدى كل من المثقف والسياسي، ولكن في ظل الصراعات المتجاذبة، والمكاسب المتفاوتة في الواقع، ينقاد الروائي إلى ما آل إليه الوضع من تداخل في المصالح، وتباين في طروحات الواقع، ذات الصلة بالمنفعة العامة، وغالبًا ما يكون سببها المباشر ممن هو في منزلة الأمر والنهي في السلطة، والمتعلق بإدارة شؤون السياسية، الذي يحلق في الأوهام؛ كمن يصارع طواحين الهواء، بأفكار آسنة عن قصد، أوعن بلاهة ونزق؛ ساعيًا إلى تمويه الرأي العام، وتطويعه؛ لجني فوائد، وكل ما فيه نفع، متخذًا من حنكته المداهِنة، وتبصره الكايِد في الوضع العام، أسلوبًا مخاتلًا في معاملته مع المجتمع، وتصرفًا سلبيًّا مع المثقف، حتى في الحالة التي لا يكون فيها هذا الأخير منخرطًا في النشاط السياسي، ولهذا السبب(وفي الكثير من الأحيان) يكون الكاتب مطواعًا لمخالسة المراقبة، ومن العين التي تلتمس الأخبار خفية، إما توجسًا، أوفي حكم من يُؤْثِر السلامة.
تميل الرواية السياسية إلى حالة الإقرار بتعزيز حرية التعبير، ونشر العدالة الاجتماعية، والدفاع عن حرية القانون في خصوصية كل مجتمع، كما تشتغل على التدخل في كل أمور الحياة المعاصرة… وهكذا، تبدو السياسة بوصفها نسقًا اجتماعيًّا ذات هيمنة شاملة على كل أنساق الحياة المختلفة؛ ونتيجة لذلك فإن الأدب حين يعكس رؤية تقدمية للواقع فإنه يعد ممارسة سياسية بمعنى من المعاني. ولا ريب في أن الأدب الجيد ملتزم بالضرورة، والالتزام يقوده -تبعًا لذلك- إلى صف المعارضة7، وفي هذه الحال، يجهر الروائي المعارض بسخطه، ويعلن امتعاضه من المواقف السياسية المتزلفة للقيادة النافذة، غير أن استياءه هذا يأتي على لسان ملفوظات شخصياته -في منجزه الفني- سواء عبر العوامل اللفظية التي من شأنها أن تؤثر فيما بعدها، أو عبر العوامل المعنوية فيما يُدرَك برجاحة الوعي، استنادًا إلى تحول حالات الأحداث والمواقف.
وإذا كان مسعى الرواية السياسية -إجمالًا- يكمن في مواجهة السلطة المستبدة، فإنها بالمقابل تحاول استبدال الواقع المأمول -من خلال عالمها الفني المتضمن الرؤية السردية- بالواقع المعمول، المقيَّد بمزاعم القوة الباترة في ادعاءاتها بالقرارات والمشاريع الوهمية، التي لا يوثق بها في نظر المجتمع على لسان الشخوص السردية. والرواية السياسية إذ تشخص الواقع في جوهره، تركز بالضرورة على أوجه الاستعباد، وإذلال الرعية، وإسكات الرأي المعارض؛ لأن من موجبات السلطة، وبواعثها، في نظر الرواية السياسية، إرغام الصوت المتجاوِز، وإلزامه على الخضوع إما بعطية صاغرة، أو أذيَّة خاضعة، أو عبر القهر بالقوة، أو بتعاطٍ تحركه مسوغات الاستهتار بمقومات المجتمع، واستقرار الواقع المعاين. وإذا كانت السلطة تميل في بعض الأحيان إلى مداهنة هذا الواقع، رغبة في إمكانية ترتيبه، وصفِّه على المقاس، فإن متاهة الرؤية السردية -التي تنبع من تفاخر وعي الروائي على لسان أبطاله- غالبًا ما تتقيد بالنمطية في التوصيف، بلا عمق، ومن دون أبعاد مجدية للواقع المأمول.
صحيح أن انكسارات الواقع تفوق رتق جراحاته المتعددة الجوانب، والأصح من ذلك أن الفنان، والروائي -على وجه الخصوص- غير مطالب بأن يكون بديلًا للسياسي، أومُقايضًا للسلطة التنفيذية في أثناء تأدية واجبها الإداري؛ لكن الأصوب، والرأي القويم في نظرنا هو أن يكون الروائي معبرًا عن صوت الحق؛ بتوعية المجتمع عن مظان الإجحاف السياسي في المواضع التي يُرَجَّح التدخل فيها؛ من أجل أن يشعر المواطن بحقائق أسس المواطنة؛ بالإضافة إلى المحافظة على صون حرية التعبير من الإجحاف السياسي، والتصدي لنشر ثقافة الإرهاب الثقافي، والقمع الفكري الذي تمارسه السلطة -في الوطن العربي على وجه العموم- الأمر الذي جعل كل ما هو جدير بالثقة محل شك من قبل الفنان، ومُريب في رمق المجتمع، على خلاف المسعى الذي تكدح المزاعم السياسية أنها تحرص عليه، وتمثِّله في طويتها؛ لاسترضاء النخبة الموالية على حساب مصلحة الوطن، ويعد هذا النمط أسلوبًا دارجًا في وعي كل سياسي في واقعنا العربي، وغائرًا في ثقافته، ومتداولاً في عرف نفوذه المتجبر، غير أنه بعيد عن تحقيق الهدف النبيل؛ والحال هذه علينا ألا نستغرب من مثل هذه المواقف السياسية في طبْعها الأرعن، حين تكون مستعظمة بزعم انتصارها الخاذل، الذي يفخر بكَمِّ النجاحات الفاشلة، نظير زرع الخيبة والإحباط، في مقابل ما تعدُّه -طويةً- برهانًا على التزامها بمبادئ الإذلال بالتبعية، والتخويف من مغبة التصرف المعاكس، أو العمل خارج موجبات الزعامة؛ إذ من “الطبيعي8 أن تنظر السلطة -العسِفة- إلى عامة الشعب بوصفه عدوًّا رئيسًا، وعليه لا بد من عزله، أو قمعه، أو السيطرة عليه بما يخدم مصالح النخب، هذا الاحتقار لمبدأ المواطنة، والعمليات الديمقراطية التي تعكس إلى حدٍّ ما قلقها؛ كان السمة التي تمارسها السلطة المستبدة، ولا تخفى على أحد، كونها تطبع تشكيل وعي السياسي”.
ولعل العرف المتبع في ثقافة السلطة -عبر الوطن العربي- أنها تكرس جهدها لإخفاء دور المثقف، كما تحاول أن تتخلص من تهويماته السادرة، حين لم يبد اهتمامه بالتشريعات السياسية، التي تنظم دور مؤسسات المجتمع المدني، أو محاولة عصيانه واجبَ خطط سلطة التشريع، وامتناعه عن الإذعان للنفوذ، أو إغفاله أي قضية تحاول السلطة التنفيذية معالجتها؛ وفي ضوء ذلك تباشر القوة في تنفيذ مهامها بجميع أشكال الإخضاع، بما في ذلك استعمال القوة الناعمة بشن حملات تحسيسية، قبل الشروع في توجيه أصابع الاتهام بأساليب بالغة الدقة.
ومن هنا تقدم لنا الرواية السياسية نفسها على أنها صِنْو الوعي بموجبات الواقع، ومسوغات مطالب المجتمع؛ وعلى خلاف ذلك، كان هذا الوعي عميقًا عند معظم أدباء مرحلة ازدهار الرواية الواقعية بخاصة، ومعنى هذا أن هذا الجيل تثقف ثقافة فكرية واعية، كما أنه في الوقت نفسه عاش فترة الحلم المحبط، والكابوس المقيم.. كل هذه الانكسارات السياسية والضغوط الاجتماعية، وغيرها من أزمات الواقع العربي، أدت إلى أن يكون إحساس هذا الجيل حادًّا وضاريًا، خاصة أن بعضهم قد تعرض -بالفعل- للحبس والاعتقال، أو ترك العمل والوظيفة، أو الاضطرار إلى الهجرة والاغتراب، وحين نقرأ أدب هذا الجيل المحبط نجد صورًا قاتمة للواقع -لا في مجال السرد فحسب- وإنما يمتد ذلك إلى كافة أنواع فنون القول9.
وتأسيسًا على ما سبق، لا نستطيع إلا أن نكون في صف المثقف في تفاعله الناجع، وسعيه الدؤوب، مع الوقائع والأحداث، ومجابهة الغطرسة والازدراء، ويتخذ من موقفه جُذْوة ملتهبة تضيء سبل الوعي، والبحث عن علائق وطيدة، ترسخ المقام بينه وبين مجتمعه، وبينه وبين نظرائه حيال الطغيان، وتجاه التجبر، وإزاء جحيم الضيم الذي يمارسه الاستبداد وحكم التطويع؛ وحتى يكون المثقف لسان المجتمع، وفاعلًا في تنميته، يوثِّق دوره بتعزيز الشعور بحقوق المواطنة، والإحساس بالكرامة، وهو الإحساس الذي تستكبره السلطة في المثقف، والمجتمع عامة، حين تستعظم أن ترى هذا الشعور ينتفض في دمائهم التي أجبرت على أن تستمرئ المذلة والهوان، ويعز عليها أن ترى المثقف صمام أمان الوطن، وإيمانًا متجددًا لطاقتنا وحقنا في السعي إلى حياة أسمى، واستعدادنا للصراع من أجل مستقبل أكثر بهاء وحرية وعدالة، ومن هنا تستنكر السلطة أن ترى الوعي يتبرعم في حنايا وجودنا، وحين تستنكر السلطة إعمال هذا الوعي، فإنها تعترض عليه بشدة وعنف، وتتصدى له بالمواجهة، وتنتهض في حق كل ما من شأنه أن يقف في وجه النخبة التي تدعي لنفسها السيادة على الناس بموارد الوطن وخيراته؛ كي تعيش في ترف ونعيم، وتعيث في الأرض فسادًا10.
حقيقة، يصعب أن نستعرض ما قيل عن علاقة الروائي بالسياسي، أو القطع بينهما، فكلاهما مسؤول عن رسم الواقع، وتشخيصه على ما ينبغي أن يكون عليه؛ غير أن المسؤولية الرصينة تقع -أكثر- على الروائي الحصيف، الذي ينهض بدور الوعي، ويعيِّن أسباب التخلف الذي طبع الواقع، ويتطلع إليه برؤية ثاقبة، فما أيسر تقرير هذه المسؤولية التي تقع على قلم الروائي! وما أيسر إلزام هذا القلم تصوير الحقيقة، وإعداد العدة لمعرفة الحقيقة! إذا قيس ذلك كله بإقناع الجانب الذي يسمى السلطة الحاكمة، أن يجتهد ويبذل وسعه في إلجام القلم11.
وهذا يعنى أن الرواية بوصفها البديل عن الشعر (ديوان العرب)، هي الباعث لتحريك الوعي أكثر من بقية الأجناس المعرفية الأخرى، كونها المتحكم في توجيه نسبة كبيرة من القراء، الذين من شأنهم أن يسهموا بشكل أو بآخر في فاعلية الوعي، ومقدرتهم على التأثير المتمحور حول المبادئ، حيال أحداث الواقع، واستهداف التيقظ والفطنة، ومن هذا الاتجاه تلازم الرواية عالم السياسة بالتأثير على الخارطة الذهنية، سياسيًّا وثقافيًّا، الأولى من خلال إمكانية فاعلية النفوذ في تعاملها مع المجتمع، في حين تسعى الثانية في مسار الرواية إلى إيقاد الوعي لنيل حريته، وجنْي ثمرة جهوده. وسواء أكانت الرواية موالية أم معارضة للنظام، أنَّى كان، فإنها تجد نفسها ملازمة للسياسة بالوجود الإضافي، سواء بالترابط، أو بالتباين.

وفي كل الأحوال يناضل الروائي عن مطالب ما يقرره القانون، وعن تلبية حاجة المجتمع، فضلًا عن محاولته تعرية الأنظمة المستبدة، بوصفها علبة سوداء في ممارستها نظام الحكم، وبطريقة تنظيمها العلاقات الاجتماعية المواربة، على خلاف الطريقة الفعلية التي تستخدمها الأنظمة السياسية الديمقراطية، غير أن ما يجري في الأنظمة الشمولية ينجلي في أسلوبها الذي يقترن -غالبًا- بالتستر، أو بالتحجُّب المترسب في عمق اللاشعور الجمعي بالوراثة؛ الأمر الذي من شأنه أن يقلل من دافعية التأثير في المجتمع، كون القرارات، والمواقف، تأخذ طابع الشمولية السائبة، بالنظر إلى أنها تعمل على الخفاء من خلال تنظيم محكم، شأن كل الأنظمة في دول الأطراف، ذات التوجه الشمولي، التي ترى في الفن عمومًا أنه يعطي أوهامًا، ومسكنات يهدئ بها روْعَ المجتمع، وتوجُّسه. ومن هنا، تواجه هذه الأنظمة كل من يقف ضد المصالح المخطط لها؛ فحيثما12 تواجه السلطة -من هذا القبيل- تحديًا تنتج، آليًّا، لاهوتها الخاص بها، وحيثما تتصرف كآلة، تستثير نحوها عداوة، ويمكن آنئذٍ وصف العالم بمفردات لاهوتية سياسية.
إن ما يهدف إليه الواقع المأمول من كلا الطرفين -الروائي والسياسي- هو ربط العلاقة بمَهمَّة تحسيس الوعي الجماعي في اهتماماته المشتركة، وفي كيفية إدراج المصلحة الوطنية حيِّز المنافحة، وإعطاء الخيارات البديلة -الناجعة- للحرية الفردية؛ من أجل الإسهام في بناء مستقبل واعد، مشترك، ولن يتم ذلك بحسب عرف الأنساق الثقافية المفيدة إلا على وَفق الحاجة إلى ما تتطلبه الحقوق والواجبات بكل تجلياتها، الظاهرة منها والمضمرة، ومن خلال دوائر الجذب لإقرار الانعتاق، على الرغم من امتناع السلطة السياسة عن ذلك بالاحتيال الديماغوجي/الدهماوي باللعب على مشاعر الناس، وتخويفهم بكل ما هو مغرِض من مقاصد خلف خطاب السائس الملتبس، وهو أمر غير صحي؛ بحجة الدفاع عن مبادئ سيادة السلطة؛ وكأنه بذلك يكرِّس سياسة الصراع الطبقي، بوصفه محرك التغيرات الاجتماعية في تفكيره الشمولي الذي تتبناه السياسة التوليتارية Totalitarianism، في العالم الثالث؛ لأن واحدة من أهم ما يترتب على مخرجاتها هي اتباع سياسة الكواليس، التي تستخدم في سياقات سياسية واجتماعية مختلفة.

ولكن إلى أي حد يمكن للعلاقة بين السياسة والرواية أن تكون ضافرة، والترابط متعاونًا في صلتهما المتبادلة؟ وقبل ذلك إلى أي حد يمكن أن يناهز ما هو سياسي بما هو ثقافي/معرفي لتأييد سند الوعي؟ يبدو أن الإجابة عن هذه الإشكالية ستظل قائمة مادامت المصالح متباينة بينهما في المسوغات والأهداف؛ فإذا كان مضمون السياسة بنظامها الشمولي يتمثل في قطع وعود المثقف -لسان المجتمع- وتبديد أي تقارب في المفاهيم النضالية، واجتثاث المبادرات الناجعة، فإن الأمر هنا يختلف مع مهمة الوعي الثقافي، كونه يسعى -دومًا- إلى تقدم للمجتمع بما يحتاج إليه من صحوة، وهو ما يبدو للسياسي أنه مسعى شقي؛ وأن نشاطه يعدُّ خيالًا موغلًا في المثالية.

الإخضاع السردي سياسيًّا

ليس هناك من شك في أن أيَّ إبداع تخييلي يجد صعوبة في تناسق الواقع معه، بالنظر إلى أنه يصطدم بعوائق جمّة أمام منظومة مؤسسات المجتمع المدني، وضمن إطار التنظيم السياسي المحكم، الذي ترعاه الدولة في مختلف الدلالات الوظيفية، فإذا كانت منظومة هذا النظام تكمن في صنع تدابير تنظيمية جاهزة؛ لضبط رؤيتها الاستراتيجية، بصورة تعكس الواقع؛ ولتبيِّن منظورها الشمولي، فإن السرد التخييلي له حدثه الخاص، الذي يرسم ظِلالاً لأحداث مرغوبة، ولا يتعدى وجودها حيز وعي المتلقي، الذي يحاول أن يعيد أداءها بمشاعر مخيِّلته، عبر تشكيل صور ذهنية لها كل الصلاحية؛ لكي ترشده إلى عوالم ممكنة في خاطره؛ ومن ثم لا يمكن للسرد التخييلي أن ينوب عن رؤية المنظومة السياسية. وتطرح هذه المفارقة سؤالًا جوهريًّا، يكمن في الكيفية التي يذعن فيها السردي إلى السياسي، أو العكس؟ واعتبارًا لذلك، تخضع عملية التحري في هذا المجال إلى المسوغات التي يريد بها الروائي العربي أن يصور الواقع، ولماذا يريد ناقد الرواية أن يقيِّم النقد على ازدواجية الأصل والنسخة، على المضاهاة والمحاكاة، على التطابق والتنافر، وفضلًا عن ذلك، أي واقع هو المطلوب نقله؟ من هنا كان مجمل أدبنا الروائي تخييليًّا؛ لأنه لن يفوز بالواقع الذي يدعي استعارته، كما لو أنه يجهل كيف يكون هو ذاته واقعَ ذاته13.
وفي كثير من الأحيان نحمِّل الراوي -الذي يقوم بنقل السرد إلى المتلقي- مسؤولية ما يضمره الروائي في رؤيته السردية، التي تتضمن بؤرة بعينها؛ لحصر مجال الرسالة الهادفة، وبما يتخذه الروائي من الأحداث والواقع، حين يتستر وراء قناع السارد، بوصفه المعبر عن لسانه، فضلًا عن أداء الشخصيات الأخرى، التي تحمل معها مسوغاتها بالتصرف في العملية السردية على وَفق بَوْحها بما فُوِّض لها من إشعاع، تؤثر به في تتابع تلك الأحداث، وبالكيفية التي يُروى بها مبنى السرد، ومتنه، كما أقرَّ بذلك الشكلانيون، أو الخطاب والحكاية على نحو ما رسمه السردانيون (جيرار جينيت Gérard Genette، تودوروف Tzvetan Todorov)؛ على سبيل المثال. وجريًا على ذلك، يتفق منظرو السرد على أن معظم ما تنطوي عليه أحداث الرواية نابع من الوعي النقدي، الذي تجاوز الكشف عن مفهوم الصراع الطبقي، وهو صراع لم يعد متاحًا في أفكار ما بعد الحداثة، بعد أن رخَّصت من قيمة الإنسان التي تقوم عليها حياة المجتمع، وبالتحديد في الرواية المعاصرة، كما جرت عليه الرواية الواقعية، التي كانت تعزز من قيمة الفرد. وعلى الرغم من ذلك ما زالت الرواية ترافق مواقف الإنسان، ووقائعه؛ إذ لا يمكن لها إلا أن تندمج مع مجريات الحياة اليومية، وما تنتجه من تحولات، يمكن النظر إليها على أنها تصب فيما يدفع المتلقي إلى إعطاء بديل نقدي لهذه الحياة برؤية استشرافية، على الرغم مما يعيشه الواقع من التباس وتعسُّر، شكل شخصيات إشكالية في العمل الروائي أو ما أسماه لوسيان جولدمان Lucien Goldmann«الشخصية المعضلة» بوصفها تعيش حالة من التصدع بين الطموح والردع في عالم موبوء.
ومن هنا، تبدأ مغامرة الشخصية في الرواية كي تجد لنفسها موقعًا يليق بما يمكن أن تسهم به في إصلاح هذا الواقع المشيِّء، ومحاولة إيجاد «قيم جديدة، تتيح لها أن تعالج الصدع الذي حدث بين الذات والعالم نتيجة رفضها للقيم السائدة، ولكن ذلك البحث ليس في الحقيقة سوى بحث متدنٍّ في عالم تسوده قيم متدنية، وإن كان عالمًا متقدمًّا بالقياس المادي14. وليس غريبًا أن تظهر آثار ذلك في تمييع بعض الشخصيات الموالية ولاءً قطعيًّا، بتصدع دورها، بعد انهيار مبادئها، نظير تضعضع قيم المجتمع، وخلخلة معاييره، فكان موقفها سلبيًّا حين ارتمت في حضن التبعية للقوة النافذة، وهو ما يفسر تقنُّع الشخصيات بقناع التذلل، والإذعان، بالتملق إلى السلطة؛ الأمر الذي يفسر حالة الإرباك لدى الشخصية الموالية، بوقوعها في تناقض الظاهر مع الباطن؛ لتكون حينئذٍ مجرد أداة لنقل (وجهة النظر)، التي من خلالها تتحدد رؤية السارد، القائمة على كشف سوءة المنظومة الحاكمة، حين تعجز عن تفسير الواقع، ومجاراته، فضلًا عن إمكانية تنميته، للأمر الذي يكون بالشراكة مزدهرًا، غير أن منْ أضمر سريرته، وأبطن ذمَّته، عن الواجب الإنساني، والحق الوطني، أعطته المنظومة السياسية ما يفحمه، وإن لم يكن ذلك مجديًا، وهو النهج الذي تتبعه بعض الأصوات من المثقفين والفنانين لمشاركتهم تبعات النقائص، والمثالب، أو إقحامهم في التسيير «في بعض الوظائف العامة، وتقديمهم للمؤسسات السياسية الحاكمة أعذارًا وتبريرات لأعمالها، فإنهم يمارسون كذلك نوعًا آخر من السلطة عبر ارتباطهم بالقوى السياسية المعارضة وهو أكثر حدة في الدول النامية، في نظر صاحب الأنظمة الأوليغارشية الشمولية Oligarchy [إدوارد شيلز Shils] بالنظر إلى أن حاجة مثقف الدول النامية إلى الانخراط في مجموعة بديلة جديدة، تشتدُّ مع ازدياد حاجته إلى الانعتاق من قبضة «التقاليد الجبارة»»15.
لكن هذا الموقف غالبًا ما يواجه بالممانعة من قبل السلطة الشمولية، التي تنفرد بمواقف مؤسسات المجتمع المدني، وتحاول إخضاع الثقافة بوجه عام إلى كنف السياسة، علاوة على متابعة كل ما يرافق الإنسان في علاقته بالقيادة النافذة، التي يطبعها الصراع، وتكون فيها السلطة حريصة على مصلحتها؛ من أي موقف قد يسهم في تهديدها، فتعمل على تشييئه، وحَلْحَلة أي مقدرة، أو كفاءة إليها، والحال هذه -في نظر السلطة- كما يرى سارتر Jean-Paul Sartre أنه لا مريَّة في أن الروائي/المثقف إنسان يدسُّ أنفه في ما لا يعنيه.. وهكذا يبدو أن المثقفين في الأصل والمنشأ مجموعة متنافرة من أناس نالوا بعض الشهرة لتجْليتهم في أعمال ذات صفة فكرية، ولكنهم استغلوا هذه الشهرة ليتخطوا حدودهم المعلومة، ولينتقدوا المجتمع والسلطات القائمة باسم تصور إجمالي ودوغمائي عن الإنسان16.
ولعل مع طرح قضية الشخصية السياسية الانتهازية في الرواية العربية -على وجه التحديد- ما يزيد من تعقيد العلاقة بين السلطة والثقافة، وإدراكنا توجهات السياسة؛ من خلال تمظهرات مواقف بعض الشخصيات عبر أشكال الممارسة الانتهازية، وطلْعتها؛ والأمثلة على ذلك كثيرة، نجمل منها ما توافر بدرايتنا لبعض الأعمال الروائية من شخصيات لم تتوان في انتهاج أسلوب المختالة لبلوغ أهدافها، كما في رواية «ميرامار» لنجيب محفوظ مع شخصية (سرحان البحيري)، الذي يقتنص الفرص لمنفعته الذاتية؛أو ما نجده عند الطاهر وطار مع شخصية ثقافية دينية في رواية «الزلزال» في مسمى (عبد المجيد بولرواح)، بصفتها شخصية إقطاعية، انتهازية؛أوفي رواية فتحي غانم «الرجل الذي فقد ظله»، التي رسمت شخصية (يوسف) الوصولية بما لا يليق بمقام الرسالة التي كانت تنظره، بوصفه صحفيًّا؛ يُفترض أن يدافع عن الحق، غير أن اختياره سبيل الوصولية حال دون ذلك، بعد أن استغل وسائل المنفعة للتسلق إلى كل ما له صلاحية عبر المكر والخداع، وعلى هذا المنوال نجد رواية«انتهازيون… ولكن» لعلاء المشذوب، حين يوظفالشخصية المحورية (جبار) الذي يعكس صورة الشخصية الانتهازية في جميع مساره السردي؛ وليس بعيدًا عن هذا المعطى نجد بطل رواية «حكاية العربي الأخير» لواسيني الأعرج في مسمى (آدم) في مساءلة مع ضمير هويته، ووضعه السياسي الذي أُقحِم فيه بشكل دراماتيكي من خلال استنطاقٍ تَهِيمٍ، بعد أن عمَّته التهم التي جعلت منه أُلهُوَة يتلهَى بها الآخر، وسَلوى في يد مطبخ صناع القرار، مثل منظمة AIPAC، ومنظمة ARZA، ومنظمة WJCومنظمة Rotary International، وغيرها كثير من المنظمات العالمية، التي حولت الكون إلى واقع افتراضي/نفعي، لصالحها، وبعد أن أصبح مجردًا من كل ما هو نفيس، وعظيم القيمة، وبما لا يتوقعه، أو غير قابل للسرد The Antinarratable بحسب تعبير روبين وارهول Robyn R. Warhol.
غير أن هناك بعض الأعمال الروائية تحاول التصدي لهذه التبعية، على نحو ما نجده على سبيل المثال عند الروائية هدى عيد في روايتها «سلطان وبغايا» مع الشخصية الرئيسة (سلطان زعتر)، الذي يتمتع بالتماهي مع واقع أطياف السلطة، ولعل هذا ما يجمع ترابط القائد الفاسد مع منظومة السلطة المنحرفة بدعم من الشخصيات المتزلفة التي يرسمها السرد، بوصفها انعكاسًا للواقع، فيما يتضمن الرغبة والاستبداد، والخداع، والبهتان، وتمزيق القيم، وعدم الاكتراث بها، وقد تعاملت هدى عيد مع مثل هذه المواضيع بحنكة سابغة، تعكس واقع الحال في المجتمع الجانح؛ بدمجها السلطة في البغي، واستحكام الانفلات بينهما في صخب اللذة الحسية الموغلة في وعي السلطة النافذة. وهذا ما عبرت عنه أيضًا الشخصية الرئيسة في رواية «الباش كاتب» للزاوي أمين، التي تعد عملًا تخييلًا عن السياسة بكل المقاييس، وتصورًا نافذًا لتمثلات الوعي السياسي الظالع، من خلال رؤية سردية يغلب عليها -أحيانًا-صوغ الباروديا بمحاكاة مستخفّة ««parodyعلى هامش الخطابات المعدة للقائد المباشر للسلطة في بعض الحالات والتحولات السردية، التي أصَّلت لمرجعية جانحة بمبادئ ضالة، وضوابط لا تحكمها الأعراف السياسية الظافرة، وبمواقف ثابتة، ومن هذا المنظور تأتي لغة الرواية متناغمة مع ما ترمي إليه قرارات السلطة التي تحرص أشد الحرص على احتواء الكلمات في خطابها الإيديولوجي، الذي يحقق التفاعل مع الإصغاء بسحر الكلمة، وهي الصورة التي تقدمها رواية «الباش كاتب» بنظرتها التخييلية، حين ركزت على الملفوظات السردية في صيغ خطابات رئيس الديوان بمسمى (الباش كاتب)، الذي نستنتج منه دواعي الإسقاط بالتماثل بين ما كان في مرحلة ساد فيها نظام الحكم الفردي، وما ينبغي أن يكون، بتفادي مثل هذه الخطيئة في اللامقول في النص، وتتداخل جماليات التخييل في أزمنة متقاطعة بين الماضي والحاضر، ويحضر فيها الصوغ اللفظي في الخطب المعدة للحاكم بشكل لافت، لتصبح حماية الكلمة في الرواية مَهمة جوهرية للحفاظ على السلطة، على الرغم من أن الرواية «ليست كتابة المغامرة، بقدر ما هي مغامرة الكتابة»17.
وإذا كان لكل مشروع سياسي امتلاك آلية التسلط حتى يتمكن من الهيمنة؛ فإن الغاية من ذلك تكمن في السعي إلى تشكيل نظام قائم على امتلاك السلطة بالقبضة الحديدية، والاستحواذ عليها بأنماط دواعي الفحولة المختلفة الأوجه والأطوار، ومحاولة ترسيخها في الوعي الاجتماعي بدافع الترعيب، مقابل تمجيد الفحولة السياسية بنزعتها الفردانية، وهو ما نستقرئه في سرد «ما رواه الرئيس» للروائي الحبيب السايح الذي تناول نقد الأوضاع السياسية من زوايا متعددة، بخاصة انتقاده الموجع للفحولة السياسية، بوصفها سلوكًا نمطيًّا مهيمنًا، يمتلك كل المواصفات والخصوصيات التي تؤهله لأن يكون متميزًا بالفردانية المستقلة، وبالهشاشة المتفردة في كل شيء، خارج حدود مواثيق الدولة وتشريعاتها، وتبعًا لذلك وطَّدت علاقتها بالخطاب في رسائله المباشرة «الجزمية»، وإجاباته المشفرة «الدوغمائية»؛ المهيمنة على كل الخطابات في علاقتها بسلطة الكلام لجذب حبل وصل الآخر، «ولذلك كانت السلطة تسعى دومًا إلى حماية الكلمة بشتى الطرق، وفرض السكوت إما بالقمع المادي الذي يكشف عن عجز هذا الخطاب على الإقناع العقلاني، أو عن طريق ابتكار سلسلة من الإردافات الخلفية Oxymoriaغير المفهومة دلاليًّا، التي تتسم بانعدام الإثبات الدلالي18؛ وبقدر ما كان خطاب السلطة زائفًا ومخادعًا، بقدر ما كان شبح الانهيار يواجه المؤسسة، ويصدم الواقع، ويكشف آليات الفضح التي يختبئ فيها السياسي؛ إذ صورة الواقع السياسي «كانت تغني عن ألف مقالةٍ حول الكذب والنفاق الرسميّين»19؛ وأن تكون السلطة بهذا الوهم الأضلّ، فهي بحاجة -في حينها- إلى دراسة سيكولوجية في تأثيرها على الوعي بالإذلال، ومحاولة إخضاعه إلى سبل التحكم فيه؛ على وَفق غايات يفترض أن تكون قائمة على سياسة الإرغام، والاستخفاف بالعقول.

وجريًا على ذلك، يُعد الاستبداد بخطيئة رغبة التشهي، أو جرِّ الآخر إليه بالإذعان، أحد المسوغات الضالعة بالوقوع في فتنة السياسي، كما بينته الملفوظات السردية في «الباش كاتب» -للروائي الزاوي أمين- إلى الحد الذي رسم فيه السارد إثم السلطة بالإساءة إلى المنظومة السياسية، وضلالها الذي تجاوز قبول الصفح والغفران، كون الاستبداد الناعم في التعاطي مع إشباع الرغبات -بجميع أشكال الاشتهاء، خاصة بسلطة الغريزة- يمارس نفوذه وكأنه جزء من التفاعلات التي من خلالها تتضح معالم تعرية الفساد السياسي، والاستلاب الثقافي بمفهومالشمولية /التوليتارية Totalitarianism، وبهذا المعنى يكون التسيير مكفولًا بمقومات (فرضية الإخضاع) من خلال الشعار الضمني (تبديد التوحد) بتحقيق أواصر ذاتية على حساب علاقات المصلحة العامة، وذلك عبر استراتيجية التشيُّؤ؛ لترسيخ «غضارة السلطة» بضياء الروح واخضرار الدروب من شهي الحياة، وخصبة النعمة للخاصة، من جهة، وفاقة العيش بالشظف من جهة افتقار الواقع، الذي بات يُعنى بموضوعات أكثر ضراوة في جانبها السياسي على وجه التحديد، ولعل انعطاف السرد في الآونة الأخيرة إلى هذا النوع من الموضوعات يشي بإدخال الواقع في سماجة السلوكيات مع المؤسسات، التي أضحت تعزز كينونات ضعيفة بالتبعية، وتستنزف الكينونة التجميعية Associatetive entity، والرواية السياسية إذ تحاول أن تتلقف هذا الواقع المبتذل؛ فلأنها تعكس كل ما هو سقيم، ومفكك، ومنفصم من العروة، في مقابل محاولة التخلص من الواقعية المبتذلة، التي ما عاد الواقع في قيمه المؤسسية النموذجية يستسيغها20.

لقد أصبح للفساد بالاستئثار؛ والإغواء بكل سبل الاستمالة إلى الأهْوَاءِ -بدافع الرغبة في ضعضعة الآخر وضمِّه إليه بالتبعية- عالمه الخاص، مع تنامي أفكار ما بعد الحداثة في شتى المجالات؛ حيث أرفع القيم والمبادئ تقوم على تدمير الوعي اليانع؛ بتأثيرها البالغ في الحياة الاجتماعية، بخاصة إذا كانت ترعاها السلطة في جميع مؤسسات المنظومة السياسية، والمدنية، والأخلاقية؛ إما عبر أساليب التبعية -بمفهوم غاتاري سبيفاك- المحاطة بالضغوطات، أو بالسياقات الإغرائية.

لذلك ليس غريبًا أن تعكس شهية هذا التدمير بالإخضاع حالة من اللامعقول؛ بتوظيف وسائل فجة؛ بحسب ما تمليه غريزة حب البقاء، وبهذا المعنى تصبح أذيَّة الحياة ساعية إلى رسم واقع مُتَذرِّر، تربطها حالات من التعارضات بصورة أكثر بشاعة؛ من خلال فقدانها كل شيء مؤكد، أو ثابت، نظير تدفق (أنماط الحياة السائلة) في العلاقات الاجتماعية المدمرة بإرادة القوة، بوصفها القوة الوحيدة التي لا يمكن تطويعها، أو إذلالها، حين تسعى -حتى لوكان ذلك من دون شعور- إلى نشر الانحراف والتدمير الذاتي في غضون تفشي الفساد، الذي ما فتئ يسيِّر العالم سيرًا أرعن، ضد كل ما يضمن السر الأسمى للوجود، ومع غياب هذا السرِّ تغيب الإنسانية بصورة أكثر بشاعة؛ حين يميل الإنسان إلى التهور مع تبنيه وتيرة تفسخ الذات وانشقاقها من الداخل. وقد عبرت شخصية (سلطان زعتر) للروائية هدى عيد عن هذه الحالة بنوع من اللاجدوى؛ إبَّان محاولته تعطيل كل القيم، ونقضها؛ وحين ترى شخصية من هذا النوع في المجتمع، بوصفه نموذجًا للضياع بفعل التبعية العسِفة؛ بالملازمة الكاظمة، يعني أنك ترى انتهاك الحاجة التي تتوافى بها الحياة الطبيعية؛ ذلك أن ضمير المتكلم في مضمرات الرواية -كما في مسمى سلطان زعتر- يكمن في موقع تسيده هو، في الآن ذاته، مكان غيابه، مكان إعادة حضوره…إن ما يُستنطَق هنا لا يقتصر على صورة الذات وحدها، بل يمتد ليطال المكان الخطابيَّ والمعرفيَّ الذي تُطرَح منه أسئلة الهوية على المستوى الاستراتيجي والمؤسساتي21وعلى جميع الأصعدة، كونها امتدادًا للعدم، وتدفقًا للتناقض، حين يعيد الضمير -في مسمى سلطان- خلق ذاته في صورة مرآتية للمجتمع.
وإذا كانت الروابط الاجتماعية مكفولة بالإنجازات السياسية، والذود عن العلاقات القانونية بين الحاكم والمحكوم، فإن سرد الرواية يرسم واقعًا آخر لهذا المنظور، وهو ظاهرة اختفاء ممارسة الفعل السياسي المجدي، مقابل نشوء وهْم ما فوق الواقع Hyper reel السياسي، باختلال العلاقات المتخذة في حق العقد الاجتماعي، والواجب تفعيلها ضمن مبادئ الحق السياسي الكفيل، وبشرعية تؤسس لسياسة الضبط بين السلطة والرعية. وبقدر ما كانت سياسة ما فوق الواقع ملزمة بإرادة سلطة النفوذ القسري، وموجبة بقوة التأثير بغاية التنازل عن حرية الفرد؛ بالقدر نفسه كانت تشكل اختلالًا في توازنات الحكم بإخضاع الكل للواحد، والرعية للراعي.

السرد الصموتُ سياسيًّا

 

تكتسي الرواية السياسية سمة اللامقول في القول من خلال بنائها الفني، وهو ما أكده بيار ماشيري من أن «الذي يهم في أثر أدبي هو ما لا يقوله، وليس ما يقوله»22، وذلك هو ما تتألف منه الملفوظات في البرنامج السردي -على وجه الخصوص- عبر التطور الآخذ بين الذات والموضوع؛ كي يحقق الروائي ما ينتابه من مصداقٍ كما يراه هو، بوصفه الدال الأصلي في ضمير المجتمع، تعبر عنه شخصياته المسند إليها الأحداث والوقائع عبر الملفوظات السردية، سواء من خلال العوامل اللفظية، أو العوامل المعنوية، التي تدرك بالدال القرائني؛ المعبرة عن تشخيص الرؤية السردية، أو بمفهوم ما يسميه جيرار جينيت Gérard Genette بـ «التبئير» الذي يتم استخلاصه بحسب ما يرد في النص من مجازات استعارية، على وَفق ما تتحسس منه الرقابة، وتتبصَّره، لذلك يميل الروائي إلى ضبط خطابه، تهربًا من الضغوط، وسعيًا إلى التخلص من لجْم الرأي بفعل نمط ثقافة الارتهان، والتكبُّل؛ كونها -في الغالب- قوانين عرفية كامنة، تحكم هذا النمط بالانتقاء والانسجام والتقيُّد، وفي ضوء ذلك يرى الروائي أن الواقع أسير هذا العرف الجاري بين الناس؛ بالاستجابة إما عن طواعية، أو عن طريق الجذب بالمخاتلة، أو بالاستقامة الشرطية، ومن هنا يجعل له طريقًا ماثلًا للإرادة الحرة عبر سائر أنواع الدلالات؛ لإعادة إنتاج الواقع، وبيان ما في مضامين الخطاب المُنَمَّط، الذي تمارسه مؤسسات المجتمع المدني، بما في ذلك الثقافة المؤدلجة بالوصاية على صحة ما تعتقده السلطة، التي تمارس تأثيرها على الوعي الحر، وهو ما يحاول الفنان، والمثقف، مقاومته بالرأي المراد توصيله.
فإذا كان الخطاب السياسي يعرض مواقفه ليتحقق مراده بالفعل، فإن الفنان يترصَّد غريم الواقع المأمول بالمواجهة الفنية التي تقتضي البيان بالمجاز، بعيدًا عن بيان الخطاب الواصف بالوجوب العيني، في مقابل ما يمكن تسميته بـ«المضمر الواصف/الموصوف»23، بوصفه رهين استيعاب الدلالة في مظانِّها؛ على الرغم من أن بينهما تلازمًا في توظيف الدلالة المرجأة، تحت تأثير التماهي؛ لإظهار ما هو مترقَّب، سواء عبر دوال اللغة الواصفة داخل نطاق علامات العمل الصيغي (النص)، أم عبر الحدس الضمني في المضمر الواصف/الموصوف؛ للإفصاح عما يكتنهه العالم الباطني (العمل الحدسي)، فيما يسميه برغسون بـ(المتعذِّر وصفه L’inexprimable)، وهنا نجد أنفسنا أمام لغتين بدلالتين، لغة ندركها في الأسلوب الفني، الذي يعكس اللغة/الخطاب الواصف، ولغة غائبة في المضمر، فيما يصادفنا من نسق (اللالغة) -بحسب تعبير لاكان Jacques Lacan- الذي نتوهمه عن طريق التقدير الحدسي للأسلوب الضمني، ونتبصَّرُه بالفراسة في المضمر الواصف/الموصوف.
وتبعًا لذلك تقدِّم لنا المنظومة السردية رؤية مُبَاينة في تحولات الأحداث والوقائع الحاصلة والمرجحة، في حيز الإمكان، وإذا ما تمحَّصنا البرنامج السردي من حيث الكيفية التي يشتغل عليها الروائي، والتنظيم المحكم للملفوظات السردية، التي من شأنها أن تنتج دلالات مختلفة، نجد أن هناك خطابًا موازيًا للخطاب الواصف، وهو الخطاب الصامت، سواء ما جاء منه متواطئًا، أو قائمًا بفعل الإسكات، أو ما كان منه مقاومًا، أو راضخًا؛ لتمييز النص بين ما هو ظاهر وما هو باطن، وفي جميع الأحوال يكون الصمت هنا أوْلى من نص المتن في نقله المعنى من إخراج الذات عن صمتها، حين تنقل طويتها من المضمر إلى التجلي، وكأن المضمر هو لسان حال الصَّموت في خفائه، يدفعك إلى أن تكون فاعلًا في الوجود. وجريًا على ذلك، أصبح الجيل الجديد يعبر عن المسكوت عنه -في ضوء ما تمليه معطيات الصمت المُطْبَق- بما لا يتحمله الواقع الرسمي، وهو ما يخلق نصًّا موازيًا في الكتابة. ولعل هذا ما جعل جاك دريدا Jacques Derrida يخصص جانبًا من اهتماماته عن كتابة الهامش/المسكوت عنه، بحسب ما تعنيه الدراسات الثقافية بمفهومها الاصطلاحي الجديد، الذي ساعد الفكر اليساريعلى تناول مثل هذه الموضوعات؛ ليرى في تسريد الصمت أنه نص آخر كما جاء في هذا الزعم «لا وجود لهامش أبيض، أو عذري، أو فارغ، وإنما هناك وجود نص آخر من دون أي مركزية للمرجعية»24.
وفي تدقيق ما سبق، لا يجد الروائي أية غضاضة في تبني تسريد الصمت، وأن يجعل له مكانة في الصياغة الوصفية الكامنة في تضاعيف النص، ومن هنا تصبح العلاقة بين المقول واللامقول، وبين الفعل بالكلمات في المقولات الأدائية (السردية)، والصوغ بالصمت من خلال انتهاك أعراف النص، وضوابطه؛ تقنية تعليلية بتعيينات ضمنية، يعمدها الروائي بحسب الظروف الملتبسة، ويضع لها تدابير غير مفعلة في الوظيفة العامة للأنظمة الوصفية، داخل النص بصريح اللفظ، تتخذ منها الشخصية أسلوبًا افتراضيًّا/بديلًا للأداء التصريحي التلفظي، حينئذٍ نكون أمام نصين، نص الفعل بالكلمة في الملفوظات السردية التصريحية، وصوغ الفعل بانتهاك أعراف النص، وضوابطه، وهو انتهاك لا يلغي معنى النص؛ لأن هذا الانتهاك في توظيف الصمت الموازي لفعل الكلمة لا يبطل المعنى، أو ينقضه، بقدر ما يملأ ما فيه من ثغرات، وفجوات، من شأنها أن تعظم من دلالات النص المتعلقة بافتراضات المؤول، وهو ما أشار إليه -مثلًا- لانغشو أوستن John Langshaw Austin، لتثبيت التمييز بين التقريري والأدائي (المجازي) حين يلجأ الفنان إلى مقاييس مفرداتية وأخرى تركيبية، (مقدرة أو مضمرة)، غالبًا ما تعتمد تمثيلات دلالية ذات الصلة بمستويات الوجوه الاستعارية، ويعمد أيضًا إلى التمييز بين المقولات الأدائية الصريحة والأدائية بشكل ضمني، وينظر في العلاقة بينهما، يناقش أولًا معايير نسق المركب الفعلي، وزمن الفعل، والضمير المستخدم، وإمكان اعتبارها قرائن على أن المقولة أدائية، ثم يبين أن ليس من قرينة نحوية تدل بشكل حاسم أن المقولة أدائية25.
لقد استفاد الروائيون بسردياتهم المتناقلة في إحداثالتناغم بين شخوصهم وبين الواقع؛ ليعبروا بهذه السرود عن الائتلاف والاختلاف مع قضايا الواقع المريب بكلتفاصيله عبر العالم، مع التركيز على إظهار حجم الاستلاب الكبير الذي يقع عليه المجتمع العربي برمته، حتى إنه لم يعد قادرًا على المساهمة في خلق الفعل الحضاري؛ ومن هنا جاءت الرواية كإشارة للانعتاق من الرتابة والتمرد على التنميط الفني السائد والمفضي إلى التبعية. ومن ثمَّ فإن الرواية تعيد قراءة الواقع في ظل المتغيرات اللاهثة في المجتمعالجديد، والمجتمع العربي ليس بمنأى عن هذه التحولات المدهشة؛ لتضعنا في عدة مفارقات مهمة ومثيرة، وكونها مهمة؛ لأنها أسهمت في رسم الواقع العربي كما ينبغي أن يكون، أما كونها مثيرة؛ فلأنها اخترقت اجترار مرارة الانكسار الفني الذي تربع على عرشه جنس الشعر، ومع ذلك فإن هالة النجاح الإعلامية التي حظيت بها الرواية لم تصل بعد إلى اقتحام الصمت في إجراءاته الفنية بالصورة المتوخاة26.
نحن إذًا -بهذا التصور- أمام نمطين من «الوصفيِّ» في الملفوظات السردية، أحدهما يميل إلى العلة الفاعلية لتنظيم النص في بنائه التركيبي الصِّيَغي، في حين يميل الثاني إلى الإضمار الضمني، الذي هو بحاجة إلى تعليل، وكأن اللالغة في المضمر المتعذر قولها في خطاب الشخصيات، تنتقل من المعنى الثابت/الخبيء إلى المعنى المتحول؛ أي من اللغة التي تصف اللغة، إلى اللغة التي تصف العالم من حولها؛ وبذلك تكون لغة المضمر الواصف/الموصوف جسرًا للتفاعل بين الشيء الدال، ومسماه فيما يخالج الوجدان بالحدس، الذي هو بحاجة إلى تعليل؛ لوصف ملفوظات يصعب تحديد دلالاتها إلا على وَفق رؤية تأملية، قائمة على الافتراض، وكأننا أمام نصين متوازيين، أو نص داخل نص آخر، يكون قوام النص المضمر داخل نفسه، وبهذا الشكل يشتغل التأويل كأبرز ما يحتاج إليه المسكوت عنه من اختراق النص النمطي في ترتيب بنائه التركيبي، سعيًا إلى معرفة العالم الخفي في تضاعيف المعنى الضمني، بوصفه حصيلة الفؤاد (المضمر) في اللامقول في النص، في مقابل لَبوس النص الملفوظ بما يلائمه من استحكام التوابع البلاغية، والتمكن منها، وهو ما يميز الخطابين، من حيث إنهما نمطان من الخطاب، بـ(لغة الإضمار ولغة الفعل بالكلمة/الكتابة)، وهما لغتان مترادفتان، مشتركتان في الوظيفة، مختلفتان في الأداء الإجرائي، فإذا كانت لغة الخطاب/التخاطب -بما في ذلك اللغة الجسدية- يحميها نظام التواضع بقواعد واستعمالات معينة، فإن الثانية متفلِّتة من أي نظام، قد يقودها إلى نسيج من الخصوصية المنكفئة عن الجادَّة، وقد تتقاطع إحداهما مع الأخرى.
وإذا كان الصمت غيابًا للصوت في الملفوظات السردية فهو بالمقابل يعد صدًى عميقًا للضمير، وترجيعًا لما في الطوية من مكامن الحقيقة، هي بحاجة إلى حفريات ثقافية ومعرفية لاكتناه عالم الصمت المنطَّق في تضاعيف النص، وفي ثنايا وجدان الشخصية في العمل السردي بنَفَس الروائي، حين يتحكم في الكلمات، ليتمكَّن من الوصول إلى التحكم في اللغة، ويتمكَّن من إظهار الصمت؛ إذ كل شيء -بما فيه الكلمة- ينفخ بالفم، ولكنها لا تقول شيئًا27، وبذلك يكون الصمت في منطوق المضمر باعثًا فاعلًا للإعراب عن نية الشخصية في طوية اللامقول، بحسب ما يوظفه الروائي من لغة مكتنَّة بالإخفاء، داخل لغة مندلية بالإبانة، يكون سياقها متضمنًا مقولة الانزياح، وهو ما ينطبق على جل الروايات المعاصرة -بخاصة منها الروايات السياسية- حيث تعمُّ دلالاتها بالصمت، سواء من خلال الحوارات المتضمَّنة في متن السرد، أو من خلال العوامل المعنوية داخل الملفوظات السردية، التي تدرك بالحدس، والأمثلة على ذلك كثيرة جدًّا؛ لنأخذ على سبيل المثال بعض العينات من روايات عربية، كما جاء في رواية «2084 حكاية العربي الأخير» لواسيني الأعرج، التي تروي زفرة هذا العربي حين فرَّط أبو عبد الله محمد الثاني عشر في آخر قلعة للحضارة العربية الإسلامية في الأندلس 1492، منذ ذلك الحين والحسرة تلاحق العربي، وهو ما استثمره واسيني الأعرج في هذه الرواية في مسمى الشخصية الرئيسة (آدم)، بأحداث صاخبة، تعبر عن حيرة كينونة وجوده الغارق في اللاجدوى، والمصاب بالذعر، والمتلهف إلى النكث والنقض، والسابح في غَرارَة المشتهى، المتخفِّي وراء سياسة الصمت، صمت المذلة والخنوع، بعد أن انفلت منه زمام المآب؛ وبعد أن أغشاه التثاؤب، واحتوته ثَقْلة النعاس؛ الأمر الذي خلق لديه مخاض العدمية اليائسة. هو ذا ما ترويه الرواية على لسان (آدم) الذي فقد علامات آدميته، وأُفرِغ من جوهر مسماه، وأزيح إلى مصيره المجهول، منذ ذلك الحين، مقابل ما توجبه الضمائر الحية، وتنشده في راهننا العصيب؛ من أجل صون المصير المشترك، والبحث عن الحرية، التي تتخذ شكل الإرادة والتضحية، تلك هي القيم التي كان على الشخصية الرئيس في الرواية (آدم) أن تقوم به، كونها مستمدة من قناعة الهوية والذود عن الوطنية، والقومية، والمعالم الدينية والإنسانية في حقيقة مقام مطلب الانعتاق بالمواقف النضالية، لكن شخصية (آدم) أريد لها غير ذلك بفعل صمتها.
وبالنظر إلى نزوع الضمير الجمعي في مسمى شخصية (آدم)لم يعد له ذلك الوعي المرتبط بالهوية في معناها الأسمى إلا بوصفها آسنة؛ لأن موقفه قائم على تجسيد المهانة بالصمت، وسريرته المكدّرة بالتبلُّد، وضميره واهنٌ بالشوائب، ومن هنا استطاع بيسر وسهولة أن يَغمط كل ما هو ماجد في موروثه، وأن يزدري برموزه الحضارية، ويستصغر منجزاته الخالدة؛ الأمر الذي أدخله في صراع عبثي مع النماذج العليا لمرجعيته الثقافية التليدة، طواعية؛ لإرضاء قوة الآخر الناعمة التي تسللت -من دون استئذان- إلى وعيه الأبْلَد، وحسه الأخرق، وشكيمته الرعناء؛ وهو بذلك يبدد عزيمته، ويمزق رقعة كينونته، ويحول إرادة قوته إلى «العدمية» في صيغة الصمت المطبق، بعد أن كانت سامقة، وكأنه بذلك يمتثل لمقولة نيتشه Friedrich Nietzsche؛ إذ «أرفع القيم تقوم بتدمير ذاتها»28، حين يصيبها التوتر والخيانة، من فائض الاستباحات بالصمت، أو بالعجز عن تحقيق ما توجبه المطالب المشتركة.
وبهذا المنظور، يغدو الصمت في الرواية كما استوعبه السارد في حكاية العربي الأخير لعبة سردية لإظهار عجز العرب عن حماية مصيرهم من الآخر، وفضح سكوتهم عن قول الحق، وفي ظل هذا المناخ الرَّجِس القائم بالمسكوت عنه تغدو حياة المجتمعات العربية مسرحًا للقيام بأدوار تمثيلية، أبطالها لاعبون بارعون في الحذاقة، دهاة في الإيقاع بتدبير المكائد، وإنزال الساذج، الجاهل، في شباك المصيدة، ومشاهدوها شخصيات مندحرة، لم يتملَّكوا غير ثمار الفشل، والانكسار، والانهزامات المتوالية، مجبولون على الانسلاخ من انتماءاتهم، وقوميتهم، ومحكومون بالصمت المُطْبَق، عظمة سيادتهم تتوق إلى الاحتماء بالآخر، والارتماء في حَجره، والإمساك بأجنحته، حتى لو كانت ضالة، أو زائغة، غير مهتدية إلى الطريق السليم، مرتهنون بالغرائز الْتذاذًا، ومُحوّطون بالاشتهاء هوًى، وبنهج منظَّم من الآخر، توقًا، غير مبالين بالاختلاف في روحانية الانتماء، ولا بإفساد صفات التقاليد، أو إهلاك العقل، وميتافيزيقية الأمل، أو إخفاق مقبولية كل إرادة، وهي معطيات تشكل في نظر مالك بن نبي جدارة «قابلية الاستعمار» في جميع مراميه، تجاه «قلعة آرابيا» التي وضعوها في مرمى النظر بدقة متناهية، وبحسابات دقيقة.
ويبدو المعنى الضمني لهذه التجربة واضحًا من خلال التأثير الارتدادي، أو كما يقول منظرو الأدب المقارن(التأثير العكسي) الذي فرضته سبل توجهات الموضوع المتشاكل في رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح، مع الشخصية الرئيسة (مصطفى سعيد)، الذي استوعب حضارة الغرب بكل تفاصيلها، مما جعله في حيرة من أمره، في أثناء عودته إلى بلده، فتعددت وظائف الصمت معه في تعاطيه مع الشخصيات الأخرى، بخاصة وأن هذه الشخصية عاشت مفارقة الحياة بين حضارتين، الشرقية والغربية، فبعد أن وجد في بريطانيا متنفسه في الحرية، التي ينعم بها الغرب، الحرية في وجودها الحقيقي بأصالة التعبير في ضوء وعي المجتمع، السائد، نجده بالمقابل يعيش حالة من النقيض على ما كان عليه الوضع في حضارته الشرقية، التي تتمحور معالم الحرية فيها بأوهام دَعِيَّة، وافتراءات زائفة، ومواقف غائمة، وهي المفارقة التي جعلت من مصطفى سعيد يعبِّر عن مواقفه بحرية في أثناء وجوده في بريطانيا، حيث كان متكلمًا أكثر منه صامتًا، بحسب غاياته الذّاتيّة، أو في مدى التحضر المتداول، ولكنّه لمّا عاد إلى قريته الرّيفية السّودانيّة اختار الصّمت السّاخر، يقول عنه الرّاوي عندما رآه لأوّل مرّة من بين الحضور: «لكن مصطفى سعيد ظلّ يستمع في صمت، يبتسم أحيانًا ابتسامة أذْكر الآن أنّها غامضة، مثل شخص يحدّث نفسه»29الطيب صالح: موسم الهجرة إلى الشمال، تونس، 1992، ص31.. فبقدر ما كان متحدّثًا في الغرب، ظهر صامتًا هنا قبل لقائه بالرّاوي، ولعلّ ذلك ما يفسّر ابتسامته السّاخرة الغامضة في آن، فكأنّه قد وجد أخيرًا من يُكلّم؛ بسبب هذا التذبذب الحضاريّ الذي يعيشه، فهو كائن شرقيّ تشرّب من حضارة الغرب، غير أنّه لم يتمكّن من التّماهي معها؛ فقد كان في ذاته جرح أحقاد حُفِرَ منذ أحقاب زمنيّة، ليس من السّهل أن ينساه، ولكنّه لمّا عاد إلى وطنه لم يتمكّن من نسيان جزء كبير من حياته في الغرب؛ ممّا صعّب عليه إمكانيّة التّأقلم، والعيش، والتّواصل مع هؤلاء القرويين البسطاء؛ رغم أنّه حاول أن يُوهم نفسه بذلك، ولكنّه لمّا رأى الرّاوي، الذي خاض تقريبًا تجربة الحياة نفسها في الغرب، ظنّ أنّه وجد من يُساعده على تحقيق هذا التّزاوج الحضاريّ بين الشّرق والغرب، ولكنّه لم يستطع أن يعيش؛ لأنّه أسكن في نفسه شيئًا من أوروبا30، فظل مسكونًا بالصمت الذي التجأ إليه تباعًا، وبالمحصلة تظهر لنا شخصية مصطفى سعيد متباينة مع الصراع الحضاري، الذي يعطي للغرب حرية وافية، نالته الحضارة الشرقية بأساليب الإسكات، لذلك جاء الحوار في الرواية مفعمًا بقدرة فائقة؛ رغبة في تفجير الصمت الذي اكتنف شخصية مصطفى سعيد؛ بعد عودته إلى منشئه المتواري بالإسكات، المفروض عليه من المنظومة الثقافية الطفيْلية، حين كانت تستكين إلى الوجوم، وهو ما انتهج سبيله مصطفى سعيد، الذي التزم في حواراته وجومًا يسوده القلق والحزن مع الرّاوي حين جنح، قصدًا، إلى الصّمت، إخفاء للعديد من التّفاصيل المهمّة في حياته، حفاظًا على وجهه الإيجابيّ، ووجهه السّلبيّ في آن، وإن كان قد أوهمنا من خلال الحوار أنّه لم يُخْفِ إلا المعلومات التي لا فائدة منها، بالرغم من محاصرة الراوي له، وسعيه إلى نيل أكبر قدر ممكن من المعلومات31.
ولعل ما حصل لمصطفى سعيد باعتماده سلوك الصمت النمطي، هو بمنزلة ترداد فعل رديف للواقع المأزوم؛ غير أن ما يُعتب عليه أنه أعرض عن واجبه تجاه هويته، بعد أن أباح لنفسه الصمت، على الرغم من أن المدة التي سادت آنذاك، كانت تعجُّ بالثقافة المؤدلجة من قبل المثقف العضوي (غرامشي)؛ إذ كان يحاول الاندماج في السياسة «وهو محمل بعبء أحلام كبيرة. وفي لعبة الإيديولوجيات واستراتيجيات السياسة، وتكتيكاتها المتناقضة، عاش هذا المثقف ما عرف بالوعي الشقي، وكان عليه أن يكيف مواقفه تبعًا لتغيُّرات سياسات المؤسسة، والسلطة التي ينتمي إليها، فقد كان هذا المثقف يمضي من النقيض إلى النقيض؛ من دون أن يفطن لنفسه. وحين فطن كان الأوان قد فات، وكان هو قد خسر كل شيء، وكان عليه إذ ذاك أن يكفر بالسياسة، وبالثورة، وبالعالم»32؛ وتأسيسًا على ذلك، يكون الصمت في البنية السردية فرضية تواصلية، يؤسسها نص اللامقول في تضاعيف الكتابة، بوصفها «تجربة الوصل بين المرئي واللامرئي»33؛ أي المرئي في ما هو مطرَّس، في حين يتضمن اللامرئي ما خفي فيه من دلالات؛ هي بحاجة إلى إنتاج معانٍ أخرى، ذات دلالة متسعة المسافات المجازية؛ بعلاقة ما هو مطرَّس، ومن هنا، تكون العلاقة في النص المغيَّب «علاقات غيابية؛ علاقات معنى وترميز؛ فهذا الدال يدل على ذلك المدلول»34.
وإلى جانب المعنى الضمني في تضاعيف النص المكتوب يؤدي اقتصاد اللغة دورًا فاعلًا في بنية الملفوظات السردية، كما في رواية عبد العزيز غرمول «زعيم الأقلية الساحقة»، التي سَبَرَت غورَ دواليب السياسة، بما تتضمنه الأساليب المجازية بتوظيف استعارات صامتة، سعيًا إلى كشف المسكوت عنه في الممارسة المستبدة للسلطة -في الأنظمة الشمولية- ويغلب على طابع السرد، مؤشرات دالة على الصمت، الذي طال المجتمع في محظور الدولة العميقة، التي جوَّزت لنفسها ما لا يجوز لغيرها، بعد أن أسهمت في إتلاف المجتمع، وتخريب المؤسسات، وتقويض الحريات، وإبادة المشاريع الناجعة، وقبل ذلك وبعده، تحطيم مشروع الدولة الجزائرية بالتخاذل عن واجب الزعامة إذلالاً للآخر، منذ العشرية السوداء في نهاية القرن العشرين.
والرواية في مجملها تتحدث عن المحظور، والمسكوت عنه بالامتناع الطوعي عن التصريح، في مقابل انجلاء الصمت، مما شكل -في الواقع- نوعًا من الاستغلاق، والارتجاج في التعبير، نظير ما كان يتمتع به «زعيم الأقلية الساحقة»، بما تعنيه كلمة «الساحقة» من ذهول، وكأن اللامقول في النص يقول: زعيم الأقلية المذهلة في خدمة دواليب السلطة العميقة، بخلاف المعنى المعجمي في مضمون الأكثرية المطلقة، اعتقادًا منا أن أيقونة الصمت في الدلالة الأخيرة تشير إلى الدال الذي يتم إدراكه من خارج السياق اللغوي بالتحيُّر والدهشة؛ ومن هنا يكون المعنى اللغوي مردودًا إلا من قبيل المغالطة، إيهامًا بما تكتسيه طويَّة الزعيم للموالاة، بوصفها الأقلية النافذة، المطلقة، التي تتحكم في زمام الأمة، وحصيلة الخيرات، ومآل الخطاب، الذي جرَّ البلد إلى المأزق، بفعل تدبير فظاظة القيادة؛ للحفاظ على الدولة العميقة من المسند إليهم في مسميات تنطلي عليها ما أطلق عليه جاك لا كان Jacques Lacan, بالمتغير الضميري35 (pronominal) shifterبما يدعوه بـ«الدالّ القرائني» indexical signifier، من حيث منابه عن الناطق بلسان ضمير السلطة؛ فيما تمارسه من جور، وقهر، واستبداد، ونهب من المحسوبين على الدولة العميقة، المُداهِنة كذبًا وبهتانًا.
ولا يساورنا أدنى شك في أن الروائي «عبد العزيز غرمول» قد استخدم الأسلوب الوصفيِّ في دلالته الإشارية؛ من أجل الوقوف على المحظور، الذي شلَّ المجتمع بالإسكات، بوصفه المعادل الموضوعي للصمت، المستمد من الكبت بالغيظ، والاستياء، في حق شخصية البطل العضوي في الرواية، بحسب ما يبسطه السياق الدلالي من البيان التلفُّظي القرائني، الذي يستند إلى الرؤية السردية من خلال التبئير بمنظور جيرار جينيت، أو بحسب الرؤيتين المتقابلتين اللتين حددهما تودوروف: وهما «الرؤية من الداخل والرؤية من الخارج، ففي الحالة الأولى لا تخفي الشخصيات شيئًا عن الراوي، وفي الحالة الثانية فإن هذا الأخير يستطيع أن يصف لنا أفعال الشخصية، ولكنه يجهل أفكارها، ويحاول أن يتنبأ بها»36، فضلًا عن ذلك، فإن كليهما يجري في العملية السردية على الوصفية، وأن كلتا الرؤيتين تؤسسان علاقة التجاور في أداء المعنى، وتقومان على ترسيخ التماسك في الدلالة، لجلاء ما وراء الغاية الظاهرة. والحال هذه أن القرائن الدلالية للصمت في الناموس السردي السياسي -على وجه التحديد- توجبه محمولات ازدواجية في الفهم، بين خطاب النص المعمول، وصمت النص المأمول، فالأول يؤدي بك إلى الفهم المبِين، في حين يحيلك الثاني إلى الحفر في تضاعيف مضمرات النص، «إلى حد اختناق المدلولات بطواحين الدوال المتزاحمة عن ناموسها، وقاموسها، وصمت الكتابة يرمرم الذاكرة المجروحة بالسكون الحكيم»37.
وفي اعتقادنا، إن أي نص يتضمن منطقتين في تضاعيفه، منطقة نص المتن، ومنطقة نص المَحْو، فالأولى مركزية/موضوعية، تراتبية، والثانية هاربة، منفلتة، وملتوية على نفسها، سواء بما تنعطف على المسكوت عنه، في غالب الأحوال، أم فيما تعبر عنه اللغة الضمنية بالانثناء على نفسها، حَثًّا على التمكُّن من النظر فيما تخبر به عن نفسها، من دون اللجوء إلى متن النص، وكأنها تدعو المتلقي إلى البحث عن عالم آخر غير عالم المتن، وترشد فيه الحاجة إلى الاستبصار فيما خفي في الدال من مطلوبيته المستورة، وليس على المتلقي هنا إلا أن يراهن على كيفية الاستدلال على تصدير الدال على المدلول، وبيان مضارعة الدال لوظيفة المدلول، ومحاكاته؛ لأن الدال (الكلمة) هي وعاء للمدلول، «والكلمات ليست إلا علامة على شيء أدركناه من قبل، الكلمة بطاقة توضع على أصناف المرئيات، وقد أدى هذا الفهم للنص الأدبي إلى العناية بمدلولات (النص) دون دواله؛ بمقول القول لا بالأداة التي تصنع القول»38.
وعلى هدي ما سبق، يتغلغل محور الصمت بأشكاله المتنوعة في الرواية السياسية -على وجه الخصوص- بوصفه وهج الاعتراض، أو صورة للاستياء، أو صفة للشكوى، أو سمة للممانعة والاستنكار، بحسب ما تمليه وظائف الأنظمة الوصفية، التي لا يمكن تعيينها بدقة -بحسب رأي فيليب هامون Philippe Hamon39– إلا متى أعيد وضع النظام المدروس داخل السياق، الذي يندرج فيه النظام المعني بالأمر؛ فيما لم يقله متن النص، عدا ما يرد في نسيج الإضمار، فالنص إما أن ينتج خطابًا على وَفق ما تمليه القواعد النحوية في شكل صيغ تعبيرية، كما جاء في قول أوستين (1962)Austin,J.L، أو ينتج دلالات لا تستند إلى ألفاظ، ولكنها تحمل معنى في صمتها، «ومن الجدير بالملاحظة أن الوحدة المكونة للعمل الصيغي pheme تتميز حسب أوستين بأنها عنصر من اللغة، قد يكون عيبه في خلوه من الدلالة، في حين أن الوحدة المكونة للعمل الريطيقي Rheme عنصر من الخطاب، قد يكون عيبه متمثلًا في ضبابيته، أو غموضه… ويتكون العمل القولي من ثلاثة أعمال جزئية (تصويتية، وصيغية، وريطيقية)، فإنه يقوم على مبدأ الإدماج، ونقصد به أن تَحقق آخرها رهينُ تَحقق ما قبله، فكل عمل ريطيقي رهين تَحقق العمل الصيغي، وكل عمل صيغي رهين تَحقق عمل التصويت، ويظل تَحقق العمل الريطيقي رهين عملي المعنى والإحالة40. وبالنظر إلى أن السرد المؤدلج تختبئ مضامينه داخل الدلالة التعاقبية، التي لا تستند إلى ملفوظات، فإن المسكوت عنه يتشكل بنعت الشيء في ذاته، على وَفق مبدأ نسيج النص، وسياقه؛ ومن هنا يشخص النص عالمين متناظرين، هما عالم التجلي في صوغ الملفوظات، وعالم الخفاء الذي يحتاج إلى استبصار من خارج ما وصف «بالدوال الدون – لغوية»؛ أي بتداعي مضامين الصمت عن طريق الحدس، الأمر الذي من شأنه أن يجيز للروائي على لسان شخصياته إمكانات أكثر مما تجيزه الملفوظات المعبر بها.
ولئن كان المسكوت عنه وجهًا من وجوه الصمت، فإن ما لا تعبر عنه الملفوظات السردية في الصمت، تحتجب في المسكوت عنه من قبل الكاتب، حين ينزاح بالكلمات إلى دلالات ملغَّمة، يمكن القبض على معناها بقرينة السياق؛ بين دلالتيْ المجاز والانزياح؛ مما يدفع بالمتلقي إلى كشف المستوى الرمزي في النص إثراء، وغنًى. ومن هنا يأتـي المسكوت عنه أشبه ما يكون في السرد السياسي بالفضاء المحظور من خلال استثمار الرصيد الثقافي، والتاريخي، والديني، عبر الإيهام بالنية المخاتلة في وصف بعض الأحداث والوقائع، أو توظيف شخصيات بعينها، طوعيًّا من الكاتب، ضمن مشروطية التنقيص، يحتجب فيها صمت الشخصيات، ويطل المسكوت عنه في مستوى العبارات، والسياق، بحسب البطانة المخولة للنسق السردي، والبُغية بالالتباس الاختياري من المؤلف، ومن ذلك على سبيل المثال ما جاء في رواية نجيب محفوظ «أولاد حارتنا» أو في رواية حيدر حيدر «وليمة لأعشاب البحر» وغيرهما كثير.

وقد تكون رواية نجيب محفوظ «أولاد حارتنا» خير مثال على نموذج المسكوت عنه من خلال الصراعات الماثلة بين ما هو ديني، وثقافي، وسياسي، تأسيسًا على مضامين الرواية، وجريًا على ما جاء في تقرير منح جائزة نوبل، مما دفع بمنظومة التدين إلى التدخل -فضلًا عن المؤسسة السياسية- بمنعها من النشر؛ بالنظر إلى اللغط الذي دار بين آراء الكتاب ورجالات السياسة المتباينة، كان ذلك حين أدرج نجيب محفوظ على لسان السارد أوصافًا تغتاب في ذاته تعالى، حينئذ استغل جمال عبد الناصر هذه الرواية لكسب المؤسسة الدينية، فزرع بينها وبين نجيب محفوظ عداوة، وحرض الأزهر عليها، وكان هيكل قد قرأها سياسيًّا بتفويض من جمال عبد الناصر، الذي تبين له أن الرواية تطعن المنظومة السياسية والمؤسسة الدينية، وفي ضوء ذلك وضعت الرواية تحت مجهرَي السياسة ورجال الدين، الذين كان موقفهم مبنيًّا على الأوصاف التي رسمها نجيب محفوظ للشخصية المحورية (الجبلاوي)، وهي أوصاف لا تكون إلا لله تعالى، وبما يتطابق مع ما ورد في العهد القديم في صورة معيشته في (الحارة) بوصفها خربة، التي يراد بها ما جاء في سفر التكوين: (في البدء خلق الله السماوات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية)، ويصفه في موضع آخر: (وهو يبدو بطوله وعرضه خلقًا فوق الآدميين، كأنما من كوكب هبط). ويقول أيضًا على لسان جبل: (ولكنه بدا لي شخصًا ليس كمثله أحد في حارتنا ولا في الناس جميعًا) وهو ما يتطابق مع القرآن الكريم في قوله تعالي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} إضافة إلى أن الجبلاوي بقي للأجيال المتعاقبة، معتزلًا ومختفيًا، لا يراه أحد، ولا يتصل بأحد إلا عبر وسطاء وخدم، ولا يعلم الناس عنه شيئًا إلا من خلال ما يُروى، وهو ما يتفق مع قوله تعالي: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُعَلِيٌّحَكِيمٌ}. كما يلحق نجيب محفوظ بالجبلاوي أنه لا يكترث بوصاياه المهملة، ولا بسلب أمواله وأموال أحفاده، فيقول على لسان (عم شكرون): «يا جبلاوي، حتى متى تلازم الصمت والاختفاء؟ وصاياك مهملة وأموالك مضيعة. أنت في الواقع تُسرق، كما يسرق أحفادك يا جبلاوي. يا جبلاوي ألا تسمعني؟ ألا تدري بما حل بنا؟ لماذا عاقبت إدريس وكان خيرًا ألف مرة من فتوات حارتنا؟ يا جبلاوي؟»41.

قائمة المراجع
  1. إدريس، سماح: المثقف العربي والسلطة، دار الآداب، بيروت، 1992.
  2. أدونيس: الصوفية والسريالية، دار الساقي، بيروت، 1995.
  3. أوستن، لانغشو: الفعل بالكلمات، ترجمة: طلال وهبة، (مقدمة المترجم)، هيئة البحرين للثقافة والآثار، البحرين، 2019.
  4. أوݣان، عمر: مدخل لدراسة النص والسلطة، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1991.
  5. بابا، هومي: موقع الثقافة، ترجمة: ثائر ديب، المركز الثقافي العربي، المغرب، 2006.
  6. الباردي، محمّد رجب: شخص المثقّف في الرّواية العربيّة المعاصرة، سلسلة موافقات، الدّار التوّنسيّة للنّشر، تونس، 1993.
  7. تشومسكي، نعوم: ثقافة الإرهاب، ترجمة: منذر محمود صالح محمد، مكتبة العبيكان، السعودية، 2016.
  8. تودوروف: الشعرية، ترجمة: شكري المبخوت، وآخر، منشورات دار توبقال، المغرب، 1990.
  9. خوري، رئيف: الأدب المسؤول، دار الآداب، بيروت، 1989.
  10. رحيم، سعد محمد: أنطقة المحرم، المثقف وشبكة علاقات السلطة، دار صفحات، بالاشتراك، سورية، 2013.
  11. ريكاردو، جان: قضايا الرواية الجديدة، ترجمة: صباح الجهيم، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1977.
  12. سارتر، جان بول: دفاع عن المثقفين، ترجمة: جورج طرابيشي، دار الآداب، بيروت، 1973.
  13. السايح، الحبيب: ما رواه الرئيس، ضمة للنشر والتوزيع، الجزائر- بالاشتراك مع مسكيليانى للنشر والتوزيع، تونس، ط1، 2021.
  14. صالح، الطيب: موسم الهجرة إلى الشمال، دار الجنوب للنشر، تونس، 1992.
  15. الغزّي، محمد: وجوه النورس.. مرايا الماء، دراسة في الخطاب الواصف في الشعر العربي الحديث، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان، تونس، ط1، 2008.
  16. فيدوح، عبد القادر: المضمر الواصف ومؤولاته، ضمن الكتاب المشترك، التأويلات والفكر العربي، دار الفاصلة للنشر، المغرب، 2020.
  17. فيدوح، عبد القادر: تأويل المتخيل – السرد والأنساق الثقافية، دار صفحات، سورية، 2019.
  18. قاسم، سيزا: القارئ والنص- العلامة والدلالة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2002.
  19. المبخوت، شكري: دائرة الأعمال اللغوية، مراجعات ومقترحات، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2010.
  20. هارفي، دافيد: حالة ما بعد الحداثة، بحث في أصول التغيير الثقافي، ترجمة: محمد شيا، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005.
  21. هامون، فيليب: في الوصفيِّ، تعريب: سعاد التريكي، بيت الحكمة، تونس، 2003.
  22. واثيونغو، نغوغي: الكُتَّاب في السياسة، ترجمة: عهود بنت خميس المخينّي، دار ابن النديم، والروافد للنشر، بيروت، 2020.
  23. وادي، طه: الرواية السياسية، الشركة المصرية العامة للنشر، لونجمان، القاهرة. 2003
  24. وادي، طه:السياسة والفن في الرواية المعاصرة، مجلة (كلية الآداب)، مصر، جامعة القاهرة، ع1، مج50، مايو 1990.

 

الدوريات والمجلات:

 

  1. أبو ديب، كمال: صرخة في متاه، مجلة (الناقد)، ع33، مارس 1991.
  2. الأسدي، عبد الجليل: الإيديولوجية في الرواية، مجلة (علامات)، المغرب، ع7، 1997.
  3. تودوروف: الإنشائية الهيكلية، ترجمة: مصطفى التواني، مجلة (الثقافة الأجنبية)، بغداد، ع3، 1982.
  4. شليغر، آلان غولد: نحو سيميائية الخطاب السلطوي، مجلة (الحكمة)، تونس، ع5، 1987.
  5. صفدي، مطاع: بحثًا عن النص الروائي، مجلة (الفكر العربي المعاصر)، مركز الإنماء القومي، بيروت، ع 48/49، 1988.
  6. عثمان، اعتدال: البطل المعضل، بين الاغتراب والانتماء مجلة (فصول)،القاهرة، مج2، ع2، 1982.
  7. القاسمي، زهير: الصمت في الحوار، رواية موسم الهجرة إلى الشمال، مجلة (أنساق)، جامعة قطر، مج1، ع1، مايو 2017.
  8. كونديرا، ميلان: فن الرواية، في مكان ما، هناك، ترجمة: بدر الدين عرودكي، مجلة (العرب والفكر العالمي)، لبنان، ع2، 1988.

 

المواقع الإلكترونية:

  1. عبد العال، محمد فتحي: قراءة في رواية أولاد حارتنا، الرابط، http://www.myportail.com/
  2. المرزوق،غياث: الدال، مجلة (معابر)، بيروت، http://maaber.com/

 

 

 

 

تصفح العد
شارك
مجلة سرديات
أكثر من خمسون رواية مسموعة من إصدارات كتارا.