يُطلق “عصر الاضمحلال الأول” في التاريخ المصري القديم، علي الفترة من نهاية الأسرة السادسة، وانهيار السلطة الملكية المركزية، حتى إعادة توحيد البلاد علي يد الأسرة الحادية عشرة.كانت فترة اضطرابات، حيث انهار نظام الحكم المركزي، وقُسّمت البلاد.يمثل هذا العصر خلفيةللأحداث، بالقدر الذي يلزم للبناء الروائي، والتفاعل مع المكان.

تتناول الرواية فترة حكم الملك أخيتوس، فترة بدأت بالتشرذم والتفكك، وانتهت بوحدة البلادعلى يد شاب مصري فنان، ابن الفلّاح، الذي ألقت به المقادير في طريق ابنة الملك، لتنشأ بينهما قصة حب رائعة، لا تعترف بالفوارق.

الرواية تتناول في خط مواز علاقة المصري بالنيل، حيث اتخذ منه معبودًا يرمز للخير (الإله حابي)، ويصنع له الأساطير من وحي الخيال الخصب، فتصنع الرواية للنهر أسطورتها في أن يكون مشاركًا حياة البشر الذينيعيشون حوله، ويصنعون حضارتهم على ضفافه، لكن كهنة المعابد لا يتورعون عن توظيف الأساطير في خدمة مؤامراتهم، ولهذا تتناول الرواية في خط أخر علاقة المعبد بالقصر.

تكتب بسمة الكسيحة حكاية عشيقها سعيد أحلاّس، المراسل الصحفي الذي حفّته الحياة بويلات عديدة مذ وجد نفسه وحيدا بلا أب (الفرنسي الذي هرب إلى بلاده بعدما أنهى عملهبالمغرب) ولا أم (المغربية التي سلّمت عنقها للحبل أمام عينيه لتتركه يعيش تحت سطوة هذا المشهد طوال حياته). ليهرب من القرية التي ولد فيها بعدما ضاق بكلمات أهلها ذرعا، هم الذين اتهموه بأنه سبب كل ما أصاب قريتهم من إفلاس، وتنتشله أيدي أسرة بقرية أحولي ضواحي مدينة ميدلت من مخالب وادي ملوية، بعدما أقدم على محاولة انتحار:

-لا جدوى من حياة محسوم بؤسي فيها سلفا.

يقول سعيد مرة، ويقول في أخرى:

 -الموت هدية الحياة التي تكفر بها عن فاجعة الولادة!

 يكتب أحلاّس في بداية مذكراته:

((ثمة بداياتٌ إن تعثرنا فيها يصير الفوز بالسباق من ضروب المستحيل…!

بذرة مزروعة كنتُ على أرضٍ يبّسها رحيل المالك وهروب الفلاح. وحيدا تُركت أقاوم سهام الدنيا وضربات الحياة في حرب لم أختر الارتماء في أتونها.

أنا سعيد أحلاّس طفلٌ لم يبلغ في الحياة إلا ربيعه الثامن، كل ربيع يمر بعد هذا العمر كان خريفا يُسقط ورقة من أوراقي. تحفني ويلات الدنيا مذ وجدتني أدفع ثمن نشوة عابرة لسيد فرنسي زرعني في رحم سيدة مغربية، كلاهما فر إلى قدره، وحيدا بقيت على أرض المعركة أجابهُ قسوة قدري …))

من أحولي (القرية التي بناها المستعمر في بدايات القرن العشرين على أرض مغربية، واستنزف خيراتها من المعادن والرصاص والزنگ… ) إلى زيغينشور (المدينة السنيغالية التي اختُطف فيها أحلاس حينما كان يُعِد برنامجا عن نزاع كازامانس)  ثم بغداد والموصل (المدن التي شهدت لقاءه مع حبيبته رزان وزميله غدير الجبيلي اللذَين كانا سببا في التحاقه بنتظيم إرهابي) وصولا إلى كريت في اليونان ( الأرض التي سيُقبض فيها عليه) … يكتب سعيد أحلاّس مذكراته وفاءً لعهدٍ قطعه لحبيبته بسمة.

أما بسمة، الصحفية الكسيحة، التي استحالت حياتها إلى خراب مهول بعدما فقدت أمها وعشيقها وقدميها في يوم واحد، فتتعقب الموت دون أن تناله، وتجعل من الكتابة وسيلة لرتق فتق القلب: تكتب عن حياتها ثم عن سعيد فعن الأنظمة العربية … لتجد نفسها ممدة وسط بركة من الدماء تتساءل عما إذا كان موتها طبيعيا، أم هو اغتيال صحفية؟!

إن حكايات أحلاّس وحياته هي نموذج للإنسان المغربي المتشظي بين ثقافة استعمارية متجذرة، وبين ثقافة مغربية تحاول الإعلان عن نفسها من خلال شخصيات أخرى من صميم الواقع (الفقيه، الشيخ، نمط العيش في أحولي…)

كما أن الاسقاطات هي جزء لا يتجزأ من بنية العمل، فغادة هي فلسطين المتخلى عنها، وسعيد هو المغرب الذي بناه المستعمر في أرض ليست له، وفاطمة هي الخونة الذين لا يمكن احتلال أرض بدون مساعدتهم، وبسمة هي الصحافة المغتالة …